وقد انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية رسائل عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل، تفيد بوجود تهديد أمني كبير للمناطق الجنوبية في السعودية من قِبل جماعات الإثيوبيين. واحتوت تلك الرسائل على بيانات مطوَّلة مكتوبة من قِبل أفراد مجهولين على لسان سكان بعض المحافظات والقرى، تفيد بأن أبناء تلك المحافظات والقبائل ستشن حرباً مسلحة على عصابات الإثيوبيين المنتشرة في الأودية والجبال، ثم لم تلبث تلك البيانات أن تحولت فعلاً إلى واقع شاهده الجميع عبر مقاطع الفيديو المنتشرة، تصوِّر عمليات المطاردة المسلحة والقبض على الإثيوبيين وربطهم بالحبال، والتحقيق معهم بصورة مستهجنة، جعلت كل من يشاهدها من المناطق الأخرى أو ربما من خارج البلد يظنون أن الوضع الأمني في المناطق الجنوبية للمملكة قد وصل إلى درجة احتلال المساكن، ونهب الممتلكات، وقتل المواطنين، وأن الدولة قد تخلت عن هذا الجزء من الوطن!!
لا أحد ينكر – كما ذكرت – خطورة الإثيوبيين وانتشارهم الكثيف الملحوظ مؤخراً، خاصة في قرى الجنوب، وبخاصة في منطقة عسير، وجرائمهم الفظيعة، التي من أبرزها صنع الخمور وترويجها وتوزيعها على أبناء المسلمين.
ولكن بما أننا لا نزال نعيش ضمن إطار نظامي قائم، وفي ظل دولة لها سلطاتها المتنوعة، فإن مثل هذه الأفعال تعتبر من الافتئات على الدولة وقيادتها وعلمائها وأجهزتها الأمنية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، كحَمْل السلاح ودعوة أبناء القبائل والمحافظات لحَمْل أسلحتهم ومطاردة المجهولين دون أي صفة معتبرة، أو من دون وجود تخويل من جهة رسمية، وقد يكون ذلك سبباً في اختلال النظام،وزعزعة الأمن، وتقويض الثقة في الجهات المختصة أو ربما الدولة.
هذا الأسلوب والطريقة العشوائية وغير المحسوبة به إظهار للجرأة على النظام والأمن؛ فمثل هذه المظاهر التي رأيناها في المقاطع المصورة المنتشرة لا يصح أن تكون في بلد الأمن والأمان؛ فالوضع لم يصل إلى مرحلة الخروج عن السيطرة كما يُشاع، وأنه لا بد من الدفاع بالنفس عن النفس، وإن كان وجود وانتشار المجهولين - خاصة من العمالة الإثيوبية - يشكِّل هاجساً يؤرق كل مواطن.
وإن كان هناك بعض الأخطاء من بعض الأجهزة، لا يكاد يكون ظاهرة، فإن ثقتنا نحن المواطنين لا حدود لها في الأجهزة الأمنية، كالشرطة وحرس الحدود والجوازات وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمرور والمجاهدين ورجال المباحث العامة وغيرهم، بأن تقوم كل هذه الأجهزة كما هو معهود عنها بما تمليه عليها واجباتها الوطنية والدينية من حماية للمواطنين، ونشر الأمن - بعد الله - في كل قرية وفوق كل جبل وفي بطن كل واد، والتصدي لكل من يحاول نشر الرذيلة أو الفاحشة أو زعزعة الأمن.. فلنكن مع رجال الأمن تعاوناً بسرعة إبلاغهم بكل مشتبه به، إثيوبياً كان أو غيره.