منتديات خجلي

منتديات خجلي (http://www.5jle.com/vb/)
-   الخيمة الرمضانية (http://www.5jle.com/vb/f101/)
-   -   الجوع في شهر رمضان , شهر رمضان والجوع , درس الجوع في شهر رمضان (http://www.5jle.com/vb/f101/t82047.html)

صعب المنال 17 - 6 - 2013 04:42 AM

الجوع في شهر رمضان , شهر رمضان والجوع , درس الجوع في شهر رمضان
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فإن لرمضان دروساً تربويةً عظيمةً تدخل في بناء شخصية المسلم ، وتكوين خُلُقه ، إلا أن درساً تربوياً مهماً من دروس رمضان نغفل عنه وننساه ، بل ربما سعينا لمحو آثاره من نفوسنا أولاً بأول ، إنه درس الجوع الذي كان يتلذذ به سلفنا الصالح, كما يتلذذ أحدنا بأكل اللحم والحلوى، لقد كان السلف يتلذذون ويتفننون في دفع الشِّبع عن بطونهم ، كما يتلذذ أحدنا بدفع الجوع عن بطنه بأنواع الطعام .

إن في الجوع : رقة القلب ، ودمع العين ، وصفاء العقل ، ونفاذ البصيرة ، وطولَ العبادة ، وقلَّة النوم ، فمن ملك بطنه غالباً ما يملك نفسه ، ومن ملك نفسه: ملك أخلاقه ، ومن ملك أخلاقه : ثقل ميزانه يوم القيامة .


إن قلَّة الطعام تُورث صاحبها الانكسار والتواضع ، وتذهب عنه الأشر والبطر والكبر، وتذكِّره بالفقراء والمساكين ، إضافة إلى الصحة العامة ، والسلامة من أمراض التخمة والشِّبع ، التي تفتك بصاحبها ، وربما قتلته .

والبطن ينبوع الشهوات ، وبيت الداء والآفات ، يتقوَّى الشيطان بامتلائها , فيجري في الإنسان مجرى الدم ، وما أُتي آدم عليه السلام، فأخرج من الجنة ، ولقي ما لقي إلا من جهة الأكل ، وهي فتنة ذريته من بعده ، يُفتنون ببطونهم ، ماذا يقذفون فيها , بين قليل وكثير ، من حلال وحرام؟ .

جاء أبو جُحيفة رضي الله عنه إلى رسول الله r ، وقد شبع من لحم وسمن ، فتجشَّأ عند رسول الله r فقال له : « اُكفف عنا جشاءك أبا جُحيفة ؛ فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولُهم جوعاً يوم القيامة » ، فما شبع أبو جحيفة رضي الله عنه بعدها .
وكان الصحابة – رضي الله عنهم –لا يحبون الرجل السمين ، ويعاتبونه على كثرة الطعام ؛ ولهذا قلَّ السِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِّمن في الصحابة, وإنما هو من عيوب أهل آخر الزمان ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : « أول بدعة حدثت بعد رسول الله r الشِّبع ، إن القوم لما شبعت بطونُهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا » ؛ يعني أقبلوا بعد الشبع على الدنيا ؛ ولهذا كان الرسول r يقول: « ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يستره ، وثوب يواري عورته, وجـِلْفُ الخبز والماء » .

وقد كان رسول الله r هو القدوة في ذلك ، فقد لازمه الجوع طول حياته حتى قُبض ، فما شبع من طعام قط ، ولا رأى مُنخلا ، ولا خبزاً مُرقَّقاً ، ولا رأى شاة مشوية قط ، وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع ، ويُعرف أثر الجوع في وجهه وصوته عليه الصلاة والسلام ، وما كان ذلك يُنقص من قدره شيئاً ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عُمَرُ رضي الله عنه : « لقد رأيت رسول الله r يظلُّ اليوم يلتوي ، ما عنده ما يملأ بطنه من الدَّقَل » ؛ يعني ما عنده من رديء التمر ما يملاْ به بطنه ، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها : « ما شبع رسول الله r ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ، ولو شئنا لشبعنا ، ولكن كنا نُؤثر على أنفسنا » .

جاءت مرَّة السيدة فاطِمةُ رضي الله عنها بكِسرة خبز إلى رسول الله r تطعمه إياها، فسألها عنها فقالت : « قرص خبزته, فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكِسرة ، فقال : أما إنه أولُ طعام دخل بطن أبيك منذ ثلاثة أيام » .

لقد كان الجوع يصيب الصحابة – رضي الله عنهم - حتى إن أحدهم يقلق من الجوع ، فيخرج من بيته لعله يجد ما يملأ به بطنه ، يقول عتبةُ بنُ غزوان رضي الله عنه : « لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله r قريباً من شهر رمضان ، مالنا طعام إلا ما نُصيب من أوراق الشجر، حتى قَرحت أشداقنا من أكل الشجر » ، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن إمرته يأكل في اليوم إحدى عشرة لقمة ، فعاتبه الناس في ذلك ، فقال : « والله إني لأشتهي الطعام ، إني لآكل السمنَ وعندي اللحم ، وآكل الزيت وعندي السمن ، وآكل الملح وعندي الزيت، ولكن صاحبيَّ سلكا طريقاً ، فأخاف اختلافهما ، فيُخالفُ بي » ، يعني أنه يأخذ بالأدنى من الطعام وهو قادر على الأعلى إيثاراً , ورغبة في الاقتداء بالرسول r وأبي بكر رضي الله عنه، وجاء مرة رجل بشراب لعبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما يساعد على الهضم ، فقال عبد الله :« مالي وله ، ما شبعت منذ أسلمت » .

قال سفيان الثوري رحمه الله : « بـِتُ عند الحجاج بن الفرافصة أربعة عشر ليلة ، فما رأيته أكل ولا شرب ولا نام » ، وكلَّف الربيع بن خثيم رحمه الله أهله بصناعة بعض الحلوى، فلما قُدِّمت له أتى برجل مجنون, وأخذ يطعمه الحلوى بيده ، فأنكر عليه أهلُهُ ، وقالوا عن المجنون : « هو لا يدري ما يأكل» ، فقال الربيع : «ولكن الله يدري ».

ولقد كان موسم التمر من الرطب والفاكهة تمر على بعض السلف فلا يأكل منها حبة واحدة ، وكان بعضهم لا يسأل أهله صناعة الطعام ولا أنواعه ، إن وجد شيئاً أكل يسد جوعه ، وإن لم يجد لا يسأل ولا يبحث ، وربما مات أحدهم فإذا جاءوا إلى غسله ، فعصروا بطنه لا يخرج منه شيء، يعيش أحدهم طاوياً, ويموت طاوياً ، يرجو ما عند الله تعالى ، يقول الحسن البصري رحمه الله : «لقد كان أحدهم يأكل الأكلة فيتمنى أن تبقى في بطنه كما تبقى الآجرَّة في الماء ، فتكون زَاده من الدنياَ».

وحتى لا يُفهم الموضوع على غير وجهه فليس الجوع فرضاً واجباً على المسلم إلا أن يكون صياماً واجباً ، وإنما هو مدرسة تربوية مستقلة ، لها منهجها وآدابها ، وهو دأب السلف وأهل الآخرة ، أخذ به الصالحون من هذه الأمة ، ومن قبلهم من أهل التوحيد .

وأما ضابط هذا المسلك التربوي ، هو ألا يجوع جوعاً يقعده عن القيام بالواجبات الشرعية والاجتماعية، وإنما هو جوع يملك عليه نفسه ، فيسوقُها في مراضي الله تعالى ، ليرقق به قلبه ، ويصلحَ به أخلاقه وسلوكه ، وضابطه أيضاً ألا يحزن على طعام فاته ، ولا يبالي بأي طعام أسكَن جوعه، مهما كان رديئاً ، مادام أنه حلال طيب ، كما أن الشِّبع ليس بحرام ، وإن أشدَّ ما فيه الكراهة ، وإنما الممنوع أن يأكل فوق حاجته فيضرَّ نفسه ويُهلكها ، ثم إن دوام الجوع أن يأكل المسلم دون حدِّ الشِّبع ، فمن فعل ذلك فقد جاع ، ونهج التدرُّج التربوي هو الطريق لذلك ، قال مالك رحمه الله لأحد أصحابه : « احفظ عني اثنتين ، لا تبيتنَّ وأنت شبعان ، ودع الطعام وأنت تشتهيه ».

اللهم أشبع بطوننا بالحلال ، وحصِّن فروجنا عن الحرام، واستر عيوبنا عن الأنام , واختم بالصالحات آجالنا يا أرحم الراحمين .


الساعة الآن 11:36 AM.

Privacy-Policy Copyright
Powered by vBulletin® Version
Copyright ©2000 - 2024 , vBulletin Solutions, Inc
Search Engine Friendly URLs by
vBSEO 3.6.1

المواضيع المكتوبة في منتديات خجلي لاتعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وإنما تعبر عن وجهة نظر كاتبها

Security team